كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال الغزالي‏:‏ العالم المحتاج غليه في الدين محتاج في صحبة الخلق إلى أمرين شديدين أحدهما صبر طويل وحلم عظيم ونظر لطيف واستغاثة باللّه دائمة الثاني أن يكون في هذا المعنى منفرداً عنهم فإن كان بالشخص معهم وإن كلموه كلمهم أو زاروه وعظهم وشكرهم أو أعرضوا عنه اغتنتم ذلك فإن كانوا في خير وحق ساعدهم وإن صاروا إلى لغو وشر هاجرهم بل زجرهم إن رجى قبولهم ثم يقوم بحقهم من نحو زيارة وعيادة وقضاء حاجة ما أمكنه ولا يطالبهم بما فاته ولا يرجوها منهم ولا يريهم من نفسه استيحاشاً لذلك ويباسطهم بالبذل إذا قدر وينقبض عنهم في الأخذ إن أعطى ويتحمل أذاهم ويظهر لهم البشر ويتجمل لهم بظاهره ويكتم حاجته عنهم فيقاسيها ويعالجها في سره ثم يحتاج مع ذلك أن ينظر لنفسه خاصة ويجعل لها حظاً من العبادة، وله في المعنى أبيات وهي‏:‏

فإن كنت في هدي الأئمة راغباً * فوطن على أن ترتكبك الوقائع

لسانك مخزون وطرفك ملجم * وسرك مكتوم لدى الرب ذائع

بنفس وقور عند كل كريهة * وقلب صبور وهو في الصدر قانع

وذكرك مغموم وبابك مغلق * وثغرك بسام وبطنك جائع

وقلبك مجروح وسوقك كاسد * وفضلك مدفون وطعنك شائع

وفي كل يوم أنت جارع غصة * من الدهر والإخوان والقلب طائع

نهارك شغل الناس من غير منة * وليلك سوق غاب عنه الطلائع

- ‏(‏ابن لال‏)‏ أبو بكر أحمد بن علي الفقيه وكذا الديلمي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفيه محمد بن إبراهيم السياح شيخ ابن ماجه قال الذهبي قال البرقاني سألت عنه الدارقطني فقال كذاب وعصام بن رواد العسقلاني قال في الميزان لينه الحاكم وبكير الدامعاني منكر الحديث‏.‏

2162 - ‏(‏إن أبغض عباد اللّه إلى اللّه العفريت‏)‏ بكسر أوله أي الشرير الخبيث من بني آدم ‏(‏النفريت‏)‏ أي القوي في شيطنته‏.‏ ‏[‏ص 408‏]‏ قال الزمخشري‏:‏ العفر والعفرية والعفريت القوي المتشيطن الذي يعفر قرنه والياء في العفريت والعفارية للإلحاق وحرف التأنيث فيهما للمبالغة والتاء في عفريت للإلحاق كقنديل ‏(‏الذي لم يرزأ‏)‏ أي لم يصب بالرزايا ‏(‏في مال ولا ولد‏)‏ بل لا يزال ماله موفوراً وولده باقون وذلك لأن اللّه سبحانه وتعالى إذا أحب عبداً ابتلاه قال كعب في بعض الكتب السماوية لولا أن يحزن عبدي المؤمن لعصبت الكافر بعصابة من حديد لا يصدع أبداً وخرج ابن أبي الدنيا وغيره أن رجلاً قال يا رسول اللّه ما الأسقام قال أو ما سقمت قط قال لا قال قم عنا فلست منا، قال ابن عربي‏:‏ هذا إشارة إلى أنه ناقص المرتبة عند ربه وعلامة ذلك صحة بدنه على الدوام وهذا خرج مخرج الغالب أو علم من حال ذلك في نقصانه ما أخبر عنه وطلق خالد بن الوليد زوجته ثم أحسن عليها الثناء فقيل لم طلقتها قال ما فعلته لأمر رابني ولا ساءني لكن لم يصبها عندي بلاء والرزية كما في المصباح المصيبة‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ النقصان والضرر‏.‏

- ‏(‏هب عن أبي عثمان النهدي مرسلاً‏)‏ واسمه عبد الرحمن بن مل بتثليث الميم وشدة اللام ابن عمرو بن عدي والنهدي بفتح النون وسكون الهاء وبالمهملة الكوفي نزيل البصرة أسلم على عهد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ولم يجاهد ولم يره‏.‏

2163 - ‏(‏إن إبليس‏)‏ أي الشيطان من أبلس إذا أيس ‏{‏فإذا هم مبلسون‏}‏ ‏(‏يضع عرشه‏)‏ أي سرير ملكه يحتمل أن يكون سريراً حقيقة يضعه ‏(‏على الماء‏)‏ ويجلس عليه وكونه تمثيلاً لتفرعنه وشدة عتوه ونفوذ أمره بين سراياه وجيوشه ‏(‏والمراد جنوده وأعوانه أي يرسلهم إلى إغواء بني آدم وافتتانهم وإيقاع البغضاء والشرور بينهم‏.‏‏)‏ وأياً ما كان فيظهر أن استعمال هذه العبارة الهائلة وهي قوله عرشه تهكماً وسخرية فإنها استعملت في الجبار الذي لا يغالب ‏{‏وكان عرشه على الماء‏}‏ والقصد أن إبليس مسكنه البحر ‏(‏ثم يبعث سراياه‏)‏ جمع سرية وهي القطعة من الجيش ‏(‏فأدناهم منه‏)‏ أي أقربهم ‏(‏منزلة‏)‏ وهو مبتدأ ‏(‏أعظمهم فتنة‏)‏ خبره ‏(‏يجيء أحدهم‏)‏ بيان لمن هو أدنى منه ولمن هو أبعد ‏(‏فيقول فعلت كذا وكذا‏)‏ أي وسوست بنحو قتل أو سرقة أو شرب ‏(‏فيقول‏)‏ له ‏(‏ما صنعت شيئاً‏)‏ استخفافاً بفعله فنكره في سياق النفي ‏(‏ويجيء أحدهم فيقول‏)‏ له ‏(‏ما تركته‏)‏ يعني الرجل ‏(‏حتى فرقت بينه وبين أهله‏)‏ أي زوجته ‏(‏فيدنيه منه‏)‏ أي يقربه منه وأوقعه مخبراً عنه وحذف الخبر وهو صنعت شيئاً لإدعاء أنه هو المتعين لإسناد الصنع الععظيم المدلول بالتنوين عليه أيضاً ‏(‏ويقول‏)‏ مادحاً شاكراً له ‏(‏نعم أنت‏)‏ بكسر النون وسكون العين على أنه أفعال المدح كذا جرى عليه جمع‏.‏ قال بعض المحققين‏:‏ ولعله خطأ لأن الفاعل لا يحذف وإضماره في أفعال المدح لا ينفصل عن نكرة منصوبة مفسرة وإنما صوابه بفتح النون على أنه حرف إيجاب ثم إن هذا تهويل عظيم في ذم التفريق حيث كان أعظم مقاصد اللعين لما فيه من انقطاع النسل وانصرام بني آدم توقع وقوع الزنا الذي هو أعظم الكبائر فساداً وأكثرها معرة كيف وقد استعظمه في التنزيل بقوله ‏{‏يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه‏}‏‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في أواخر صحيحه ‏(‏عن جابر‏)‏ زاد مسلم في روايته بعد قوله نعم أنت قال أراه قال فيلتزمه ولم يخرجه البخاري‏.‏

2164 - ‏(‏إن إبليس‏)‏ عدو آدم وبنيه ‏(‏يبعث‏)‏ أي يرسل ‏(‏أشد أصحابه‏)‏ في الإغواء والإضلال ‏(‏وأقوى أصحابه‏)‏ على الصد عن سبيل الهدى ‏(‏إلى من يصنع المعروف‏)‏ أي ما ارتضاه الشرع وندب إليه ‏(‏في ماله‏)‏ كأن يتصدق منه أو ‏[‏ص 409‏]‏ يصلح ذات البين أو يعين في نائبة أو يفك رقبة أو يبني مسجداً أو نحو ذلك من وجوه القرب فيوسوس إليه ويخوفه عاقبة الفقر ويمد له في الأمل ويحذره من عاقبة الحاجة إلى الناس حتى يصده عن الصرف منه في الطاعات‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيثمي فيه عبد الحكيم بن منصور وهو متروك اهـ‏.‏ وأورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم تركوه‏.‏

2165 - ‏(‏إن ابن آدم لحريص على ما منع‏)‏ أي شديد الحرص على تحصيل ما منع منه باذلاً للجهد فيه لما جبل وطبع عليه من شدة محبته للممنوع وهذا شيء كالمحسوس معروف بالوجدان لا يحتاج إلى برهان‏.‏

- ‏(‏فر‏)‏ من حديث يوسف بن عطية عن هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب ورواه عنه أيضاً الطبراني وعبد اللّه بن أحمد ومن طريقهما أورده الديلمي مصرحاً فكان عزوه إليهما لكونهما الأصل أولى، ثم إن يوسف بن عطية الصفار أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أبو زرعة والدارقطني وهارون بن كثير مجهول كما ذكره أيضاً ولهذا قال السخاوي سنده ضعيف قال وقوله ابن أسلم تحريف والصواب سالم والثلاثة مجهولون ولهذا قال أبو حاتم هذا باطل اهـ‏.‏

2166 - ‏(‏إم ابن آدم إن أصابه حر قال حس‏)‏ بكسر الحاء المهملة وشد السين المهملة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضه وأحرقه غفلة كجمرة وضربه كاوه ‏(‏وإن أصابه برد قال حس‏)‏ يعني من قلقه وجزعه أنه إن أصابه الحر تألم وتشوش وتضجر وقلق وإن أصابه البرد فكذلك ومن ثم قال امرىء القيس‏:‏

يتمنى المرء في الصيف الشتاء * فإذا جاء الشتاء أنكره

فهو لا يرضى بحال واحد * قتل الإنسان ما أكفره

- ‏(‏حم طب عن خولة‏)‏ بنت قيس الأنصارية تزوجها حمزة فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يزور حمزة ببيتها قالت أتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت بلغني أنك تحدث أن لك يوم القيامة حوضاً قال نعم وأحب الناس إليّ أن يروى منه قومك فقدمت إليه برمة فيها حزيرة فوضع يده فيها ليأكل فاحترقت أصابعه قال حس ثم ذكره قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح‏.‏

2167 - ‏(‏إن ابني هذا‏)‏ يعني الحسن بن علي ‏(‏سيد‏)‏ في رواية السيد باللام أي حليم كريم محتمل، قال في النهاية‏:‏ السيد يطلق على الرب وعلى المالك والشريف والفاضل والكريم والحليم ومحتمل أذى قومه والزوج والرئيس والمقدم وهو من السؤدد وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي من الأشخاص العظيمة ‏(‏ولعل اللّه‏)‏ أي عساه واستعمال لعل في محل عسى مستفيض لاشتراكهما في الرجاء ‏(‏أن يصلح به‏)‏ يعني بسبب تكرمه وعزله نفسه عن الخلافة وتركها كذلك لمعاوية ‏(‏بين فئتين عظيمتين من المسلمين‏)‏ وكان ذلك، فلما بويع له بعد أبيه وصار هو الإمام الحق مدة ستة أشهر تكملة للثلاثين سنة التي أخبر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أنها مدة الخلافة وبعدها يكون ملكاً عضوضاً ثم سار إلى معاوية بكتائب كأمثال الجبال وبايعه منهم أربعون ألفاً على الموت فلما تراءى الجمعان علم أنه لا يغلب أحدهما حتى يقتل الفريق الآخر فنزل له عن الخلافة لا لقلة ولا لذلة بل رحمة للأمة واشترط على معاوية شروطاً التزمها، قال ابن بطال وغيره‏:‏ لم يوف له بشيء منها فصار معاوية من يومئذ خليفة ولما خيف من طول عمر الحسن رضي اللّه تعالى عنه أرسل يزيد إلى زوجته جعدة إن هي سمته تزوجها ففعلت فأرسلت تستنجز فقال‏:‏ إنا لم نرضك له فكيف نرضاك لنا، وفيه منقبة للحسن رضي اللّه تبارك وتعالى عنه ورد على الخوارج ‏[‏ص 410‏]‏ الزاعمين كفر علي كرم اللّه وجهه وشيعته ومعاوية ومن معه لقوله من المسلمين وأخذ منه جواز النزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بمال وحل أخذ المال وإعطائه على ذلك مع توفر شروطه‏.‏

- ‏(‏حم خ م‏)‏ من حديث الحسن رضي اللّه عنه ‏(‏عن أبي بكرة‏)‏ بفتح الموحدة وسكون الكاف وقد تفتح وفي سماعه منه خلف والأصح أنه سمع‏.‏

2168 - ‏(‏إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف‏)‏ كناية عن الدنو من العدو في الحرب بحيث تعلوه السيوف فيصير ظلها عليه وقال أبواب الجنة ولم يقل الجنة لأن المراد أن الجهاد طريق لذلك وهذا التعبير أدل عليه وفيه دلالة على فضل الجهاد‏.‏

- ‏(‏حم م ت‏)‏ عن أبي موسى‏.‏

2169 - ‏(‏إن أبواب السماء‏)‏ كذا بخط المصنف فمن قال الجنة لم يصب ‏(‏تفتح عند زوال الشمس‏)‏ أي ميلها عن وسط السماء المسمى بلوغها إليه بحالة الاستواء ‏(‏فلا ترتج‏)‏ بمثناة فوقية وجيم مخففة والبناء للمفعول لا تغلق قال الزمخشري وغيره‏:‏ أرتج الباب أغلقه إغلاقاً وثيقاً ومن المجاز صعد المنبر فأرتج عليه إذا استغلق عليه الكلام ‏(‏حتى يصلي الظهر‏)‏ ليصعد إليها عمل صلاته ‏(‏فأحب أن يصعد لي‏)‏ عمل ‏(‏فيها‏)‏ أي في تلك الساعة التي السماء فيها مفتحة الأبواب ‏(‏خير‏)‏ أي عمل صالح وتمامه عند مخرجه أحمد عن أبي أيوب قلت يا رسول اللّه تقرأ فيهن كلهن قال نعم قلت ففيها سلام فاصل قال لا والمراد بالزوال هنا الميل كما تقرر فلا تعارض كراهة الصلاة حال الاستواء‏.‏

- ‏(‏حم عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري قال ابن الجوزي فيه عبيدة بن مغيث ضعفوه‏.‏

2170 - ‏(‏إن أتقاكم‏)‏ أي أكثركم تقوى ‏(‏وأعلمكم‏)‏ أي أكثركم علماً ‏(‏باللّه أنا‏)‏ لأن اللّه سبحانه وتعالى جمع له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية واستحضار العظمة الإلهية على وجه لم يجتمع لغيره وكلما ازداد علم العبد بربه ازداد تقواه وخوفه منه ومن عرف اللّه صفا له العيش وهابه كل شيء فمعناه ما أنا عليه من التقوى والعلم أوفر وأكثر من تقواكم وعلمكم فلا ينبغي لأحد أن يتشبه بي ذكره القاضي‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ إنما كان كذلك لما خص به في أصل خلقته من كمال الفطنة وجودة القريحة وسداد النظر وسرعة الإدراك ولما رفع عنه من موانع الإدراك وقواطع النظر قبل تمامه ومن اجتمعت له هذه الأمور سهل اللّه عليه الوصول إلى العلوم النظرية وصارت في حقه كالضرورية ثم إنه تعالى قد أطلعه من علم صفاته وأحكامه وأحوال العالم على ما لم يطلع عليه غيره وإذا كان في علمه باللّه تعالى أعلم الناس لزم أن يكون أخشاهم لأن الخشية منبعثة عن العلم ‏{‏إنما يخشى اللّه من عباده العلماء‏}‏ قال الكرماني‏:‏ وقوله أتقاكم إشارة إلى كمال القوة العملية وأعلمكم إلى كمال القوة العلمية والتقوى على مراتب وقاية النفس عن الكفر وهو للعامة وعن المعاصي وهو للخاصة وعما سوى اللّه وهو لخاص الخواص والعلم باللّه يشمل ما بصفاته وهو المسمى بأصول الدين وبأحكامه وهو فروع الدين وما بكلامه وهو علم القرآن وتعلقاته وما بأفعاله وهو معرفة حقائق الأشياء ولما كان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم جامعاً لأنواع التقوى حاوياً لأقسام العلوم ما خصص التقوى ولا العلم وقد يقصد بالحذف إفادة العلوم والاستغراق اهـ وقال بعضهم‏:‏ ظاهر الحديث تمييزه في كل فرد فرد من أوصاف التقوى والعلم فأما التقوى فلا نزاع وأما العلم باللّه فقد أخذ بعض شراح الشفا من قوله أعلمكم ولم يقل أعلم خلق اللّه أن ذلك يخرج علم جبريل باللّه فإنه أمين الوحي وملازم الحضرة الأقدسية ثم إن المعرفة غير ممكنة بكنه الحقيقة لجميع الخلق وفي الخبر سبحانك ما عرفناك حق معرفتك‏.‏

- ‏(‏خ عن عائشة‏)‏ قالت كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏[‏ص 411‏]‏ يأمرهم من الأعمال بما يطيقون فقالوا إنا لسنا كهيئتك إن اللّه غفر لك فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه ثم يقول هذا‏.‏

2171 - ‏(‏إن أحب عباد اللّه إلى اللّه‏)‏ أي من أحبهم إليه ‏(‏أنصحهم لعباده‏)‏ أي أكثرهم نصحاً لهم فإن النصح هو الدين ولهذا قال بعض العارفين لبعض أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلا أن يحوطهم وينصحهم وإضافة العباد إليه تلويح بأن المراد من آمن منهم‏.‏

- ‏(‏عم في زوائد الزهد‏)‏ أي فيما زاد على كتاب الزهد لأبيه ‏(‏عن الحسن‏)‏ البصري ‏(‏مرسلاً‏)‏‏.‏

2172 - ‏(‏إن أحب عباد اللّه إلى اللّه من حبب‏)‏ أي إنسان حبب اللّه إليه ‏(‏المعروف وحبب إليه فعاله‏)‏ لأن المعروف من أخلاق اللّه وإنما يفيض من أخلاقه على أحب خلقه إليه فإذا ألهم العبد المعروف كان ذلك دلالة على حب اللّه له ناهيك بها رتبة والفعال ككتاب وشعاب جمع فعل وكسلام وكلام الوصف الحسن والقبيح هو قبيح الفعال كما يقال هو حسن الفعال ويكون مصدراً فيقال فعل فعالاً كذهب ذهاباً كما في المصباح والحب الأول للمعروف من حيث هو والثاني من حيث الإتيان به والثاني ينشأ عن الأول فالأول منبعه وأسه وأفاد بإضافة العباد إليه المؤذنة بالتشريف أن الكلام في أهل الإيمان لا الكفر إذ لا حب لهم فضلاً عن الأحبية‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتاب فضل ‏(‏قضاء الحوائح‏)‏ للناس ‏(‏وأبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ في الثواب ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري وفيه الوليد بن شجاع أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة قال أبو حاتم لا يحتج به‏.‏

2173 - ‏(‏إن أحب ما يقول العبد إذا استيقظ من نومه سبحان الذي يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير‏)‏ وظاهر الحديث أن هذه الكلمات مطلوبة عند الاستيقاظ مطلقاً قال الغزالي رحمه اللّه تعالى‏:‏ هذا أول الأوراد النهارية وهي سبعة قال‏:‏ ويلبس ثوبه وهو في الدعاء وينوي به ستر العورة امتثالاً لأمر اللّه واستعانة على عبادته من غير قصد رياء ودعوته‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ من حديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن الزهري عن نافع ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وقضية صنبع المصنف أن مخرجه الخطيب سكت عليه وأقره وهو تلبيس فاحش فإنه عقبه ببيان حاله ونقل عن ابن معين أن الوقاصي هذا لا يكتب حديثه كان يكذب انتهى وقال في الضعفاء تركوه‏.‏

2174 - ‏(‏إن أحب الناس إلى اللّه يوم القيامة‏)‏ أسعدهم بمحبته يومها ‏(‏وأدناهم منه مجلساً‏)‏ أي أقربهم من محل كرامته وأرفعهم منزلة ‏(‏إمام‏)‏ مؤمن ‏(‏عادل‏)‏ لامتثال قول ربه ‏{‏إن اللّه يأمر بالعدل والإحسان‏}‏ ‏(‏وأبغض الناس إلى اللّه وأبعدهم منه إمام جائر‏)‏ في حكمه على رعيته فإن اللّه يبغض الظلم ويبغض الظالمين ويعاقبهم والمراد بالإمام هنا ما يشمل الإمام الأعظم ونوابه‏.‏

- ‏(‏حم ت عن أبي سعيد‏)‏ ثم قال الترمذي لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه انتهى وفيه عبد اللّه بن صالح كاتب الليث كذبه حرزة وخولف وفضيل بن مرزوق الوقاصي أورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه ابن معين وغيره وعطية العوفي قال ابن القطان مضعف وقال الذهبي ضعفوه قال ابن القطان والحديث حسن لا صحيح‏.‏

‏[‏ص 412‏]‏ 2175 - ‏(‏إن أحب أسمائكم إلى اللّه عبد اللّه وعبد الرحمن‏)‏ وذلك لأن للّه سبحانه وتعالى الأسماء الحسنى وفيها أصول وفروع فالأصول أصول والأصول هي الصفات السبع وأصول الأصول ما ينتهي إليه الأصول وهي اسمان‏:‏ اللّه، الرحمن، وكا منهما يشتمل على الأسماء كلها ولذلك حمت العزة أن يتسمى بأحدهما أحد غير اللّه وما ورد من رحمن اليمامة فذاك مضاف إلى اليمامة والمطلق منه عن الإضافة منزه عن القول بالإشتراك، وهذيان شاعر بني حنيفة بقوله‏:‏

وأنت غيث الورى لازلت رحمنا * تعنت وتغال في الكفر لا يرد

لأن الكلام في أنه لم يتسم به أحداً ابتداءاً، وإطلاقه لم يكن على غير من هو متسم به ويختص الاسم الرحمن لا باعتبار الأسماء الداخلة تحته بأنه المتحرك بحركة له أزلية أبدية ديمومية تعطي الصور المعنوية والروحانية والمثالية والخيالية والحسية في أنواع غير متناهية للعدد وباعتبار دخولها تحته أقرب ما ينسب إليه حركة وجود متعين به ومنه وفيه الموجودات بأسرها فإذا انتهى موجود منها إلى حد طوره صار القهقرى إلى الاسم الأعظم ‏{‏ألا إلى اللّه تصير الأمور‏}‏ فعلى هذا التقدير اسم الباسط هو صاحب العطاء الصادر عن الرحمن واسم القابض هو صاحب الرد إلى اسم اللّه ويتبين من هذا دخول الأسماء تحت الاسمين العظيمين‏.‏ قال المناوي‏:‏ وتفضيل التسمية بهذين محمول على من أراد التسمي بالعبودية فتقديره أحب أسمائكم إلى اللّه إذا تسميتم بالعبودية عبد اللّه وعبد الرحمن لأنهم كانوا يسمون عبد شمس والدار ولا ينافي أن اسم أحمد ومحمد أحب إلى اللّه من جميع الأسماء فإنه لم يختر لنبيه إلا ما هو الأحب إليه هذا هو الصواب ولا يجوز حمله على الإطلاق، إلى هنا كلامه‏.‏

يلحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبد الملك وعبد الصمد‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ في الأسماء ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ورواه عنه أيضاً أبو داود والترمذي‏.‏

2176 - ‏(‏إن أحداً‏)‏ بضم الحاء وسكونها ‏(‏جبل‏)‏ معروف بالمدينة كما مر غير مرة ‏(‏يحبنا ونحبه‏)‏ حقيقة أو مجازاً على ما مر قال الطيبي‏:‏ الظاهر أنه أراد جميع أرض المدينة وخصه لأنه أول ما يبدو له‏.‏

- ‏(‏ق عن أنس‏)‏ بن مالك رضي اللّه عنه‏.‏

2177 - ‏(‏إن أحداً جبل يحبنا ونحبه وهو على ترعة من ترع الجنة‏)‏ أي على باب من أبوابها ‏(‏وعير‏)‏ أي وجبل عير وهو معروف هناك ‏(‏على ترعة من ترع النار‏)‏ أي على باب من أبوابها وقد سبق تقريره عن الشريف السمهودي بما فيه بلاغ فلا يغفل، كما في الصحاح بوزن الجرعة الباب وقيل الروضة وقيل الدرجة وقيل غير ذلك‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ عن هناد بن السري عن عبدة عن محمد بن إسحاق عن عبد اللّه بن مكنف ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك قال المؤلف وعبد اللّه بن مكنف ضعيف لكن يزيده هنا بياناً فيقول قال العارف ابن عربي‏:‏ محققوا أهل النظر والأدلة المقصودة على الحواس والضروريات والبديهيات يقولون إنه إذا جاء عن نبي أن جبلاً أو حجراً أو ذراعاً أو جذع نخلة أو بهيمة كلمة فمعناه خلق اللّه فيه الحياة والعلم في ذلك الوقت بحيث يتكلم ويكلم ويفهم ما يخاطب به والأمر عندنا ليس كذلك بل العالم كله حي ناطق من جهة الكشف وسر الحياة في جميع العالم حتى أن كل من سمع المؤذن من رطب ويابس يشهد له حقيقة بلا شبهة ومن أراد أن يقف على ذلك يسلك طريق الرجال ويلزم طريق الخلوة والذكر فإن اللّه سيطلعه على ذلك عيناً فيعلم أن الناس في عماء عن إدراك هذه الحقائق انتهى‏.‏

‏[‏ص 413‏]‏ 2178 - ‏(‏إن أحدكم‏)‏ أيها المؤمنون ‏(‏إذا كان في صلاته‏)‏ المفروضة أو النافلة ‏(‏فإنه يناجي ربه‏)‏ أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازاً ‏(‏فلا يبزقنّ‏)‏ بنون التوكيد ‏(‏بين يديه‏)‏ أي لا يكون بزاقه إلى جهة القبلة لأنه استخفاف عادة فلا يليق بتعظيم الجهة وفي رواية للشيخين بدل بين يديه قبل القبلة وفي رواية أو تحت ‏(‏ولا عن يمينه‏)‏ أي لا يبزقنّ على ما في يمينه فعن بمعنى على تشريفاً لها لأن فيها ملائكة الرحمة ولهم مزية على ملائكة العذاب ألا ترى أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات والنهي يعم المسجد وغيره ‏(‏ولكن‏)‏ يبصق ‏(‏عن يساره وتحت‏)‏ وفي رواية أو تحت ‏(‏قدمه‏)‏ أي اليسرى وتمام الحديث عند الشيخين ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض والأمر بالبصاق عن يساره أو تحت قدمه خاص بغير من بالمسجد أما من فيه فلا يبصق إلا في نحو ثوبه وفي الحديث إشارة إلى أن قلب المصلي ينبغي كونه فارغاً من غير ذكر اللّه وفيه جواز الفعل القليل في الصلاة وطهارة البصاق‏.‏

- ‏(‏ق عن أنس‏)‏ بن مالك قال رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم نخامة في القبلة فشق عليه ذلك حتى رؤي في وجهه ثم قام فحكه بيده ثم ذكره‏.‏

2179 - ‏(‏إن أحدكم‏)‏ معشر الآدميين ‏(‏يجمع خلقه‏)‏ أي مادة خلق أحدكم أو ما يخلق منه أحدكم -وهو المني بعد انتشاره في سائر البدن- وأحد هنا بمعنى واحد لا بمعنى أحد التي للعموم لأن تلك لا تستعمل إلا في النفي ويجمع من الإجماع لا من الجمع يقال أجمعت الشيء أو جعلته جميعاً والمراد يجوز ويقرر مادة خلقه ‏(‏في بطن‏)‏ يعني رحم ‏(‏أمه‏)‏ وهو من قبيل ذكر الكل وإرادة البعض وهو سبحانه وتعالى يجعل ماء الرجل والمرأة جميعاً ‏(‏أربعين يوماً‏)‏ لتتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق وهو فيها ‏(‏نطفة‏)‏ وذلك بأن أودع في الرحم قوتين قوة انبساط ينبسط بها عند ورود مني الرجل عليه فيأخذه ويختلط مع منيها وقوة انقباض يقبضهما بها لئلا ينزل منه شيء فإن المني ثقيل بطبعه وفم الرحم منكوس وهل هذه الحركة إرادية فيكون الرحم حيواناً‏؟‏ الظاهر لا، وأودع في مني الرجل وهو الثخين الأبيض قوة الفعل وفي منيها وهو الرقيق الأصفر قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة الممتزجة بلبن وما قيل إن في كل من مني الرجل والمرأة قوة فعل وانفعال فلا ينافيه لجواز كون قوة الفعل في مني الرجل وقوة الانفعال في مني المرأة أكثر فاعتبر الغالب وإن امتزجا ومضى عليه أربعون يوماً لحكمة خفيت عن أكثر المدارك أفاض عليهما صورة خلاف صورة المني وهو المشار إليه بقوله ‏(‏ثم‏)‏ عقب هذه الأربعين ‏(‏يكون علقة‏)‏ قطعة دم غليظ جامد ‏(‏مثل ذلك‏)‏ فإذا مضى عليه أربعون يوماً أفاض عليها صورة خلاف صورة العلقة وإليه الإشارة بقوله ‏(‏ثم‏)‏ عقب الأربعين الثانية ‏(‏يكون‏)‏ في ذلك المحل ‏(‏مضغة‏)‏ قطعة لحم بقدر ما يمضغ ‏(‏مثل ذلك‏)‏ الزمن وهو أربعون ‏(‏ثم‏)‏ بعد انقضاء الأربعين الثالثة ‏(‏يرسل اللّه الملك‏)‏ المعهود الموكل بالمضغة أو بالرحم ويجوز كومه ملكاً موكلاً بهما أو كون لكل ملك ومعنى إرساله إياه أن يأمره بالتصرف فيه كذا ذكره الأكمل وقال بعض الشراح المراد ملك النفوخات كما جاء مصرحاً به في خبر رواه ابن وهب فأل فيه عهدية فيبعث إليه حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه ‏(‏فينفخ فيه الروح‏)‏ وهي ما يحيى بها الإنسان وإسناد النفخ إليه مجاز عقلي لأنه من أفعال اللّه كالخلق وكذا ما ورد من قوله صوره أي الملك وخلق سمعه وبصره ونحو ذلك وفي الحديث

‏[‏ص 414‏]‏ إيماء إلى أن التصوير في الأربعين الثالثة قال الخطابي‏:‏ روي عن ابن مسعود في تفسير هذا الحديث أن النطفة إذا وقعت في الرحم وأراد اللّه أن يخلق منها بشراً طارت في المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دماً في الرحم فذلك جمعها قال الطبري‏:‏ الصحابة أعلم بتغيير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق وأكثرهم احتياطاً للتوفي عن خلاف، وقال ابن القيم‏:‏ ما ذكر من تنقل الخلق في كل أربعين إلى طور هو ما دل عليه الوحي وما وقع في كلام أهل الطب والتشريح مما يخالفه لا يعول عليه إذ غاية أمرهم أنهم شرحوا الأموات فوجدوا الجنين في الرحم على صفة أخبروا بها على طريق الحدس والنظام الطبيعي ولا علم لهم بما وراء ذلك من مبدأ الحمل وتغير أحوال النطفة ثم الكلام في الروح طويل فمن ذاهب إلى أنه عرض، إذ لو كان جوهراً والجواهر متساوية في الجوهرية لزوم للروح روح آخر وهو فاسد ومن ذاهب إلى أنه جوهر فرد متحين وزعموا أنه خلاف الحياة القائمة بالجسم الجوال وأنه حاصل للصفات المعنوية وهو كذلك لأن الجوهر الفرد هو الجزء الذي لا يتجزأ لا كسراً ولا قطعاً ولا وهماً ولا فرضاً وصدور المعاني الخارقة عن مثل ذلك مستحيل وقيل هو صورة لطيفة بصورة الجسم في داخل الجسم تقابل كل جزء منه وعضو نظيره وهو خيال وقيل جسم لطيف سار بالبدن سريان ماء الورد فيه وقال الغزالي‏:‏ جوهر محدث قائم بنفسه غير متحيز وأنه ليس داخل الجسم ولا خارجاً عنه ولا متصلاً ولا منفصلاً لعدم التحيز الذي هو شرط الكون في الجهات واعترض بأنه يلزم خلو الشيء عن الشيء وضده وتركب الباري لأنه إذا كان غير متحيز كان مجرداً فشارك الباري في التجرد وامتاز عنه بغيره والتركب على اللّه محال وبأنه متناقض لأنه جعله اللّه من عالم الأمر لا من عالم الخلق محتجاً بقوله ‏{‏قل الروح من أمر ربي‏}‏ وإذا لم يكن مخلوقاً لم يكن محدثاً وقد قال إنه محدث وأجيب عن الأول بأن الشيء يجوز أن يخلو من الضدين إذا كان كل منهما مشروطاً بشرط فإنه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل لأن الشرط الصحيح لقيام العالم أو ضده بالجسم هو الحياة وقد انتفت في الجماد فكذا شرط الدخول والخروج في الاتصال والانفصال هو التحيز إذا لم يكن الجوهر متحيزاً لا يتصف بشيء من ذلك وعن الثاني بأن الاشتراك في العوارض لا يوجب التركب سيما في السلب وعن الثالث بأن مقصوده ليس نفي كونه مخلوقاً بل اطلع على تسميته كل ما صدر عن اللّه تعالى بلا واسطة الأمر العزيز بعالم الأمر وعلى تسمية كل ما صدر عنه تعالى عن سبب متقدم من غير خطاب بالأمر الذي هو الكلمة بعالم الخلق الإله الخالق والأمر فلا مشاحة في ذلك ‏(‏ويؤمر‏)‏ بالبناء للمفعول أي يأمر اللّه الملك ‏(‏بأربع كلمات‏)‏ أي بكتابة أربع قضايا مقدرة وكل قضية تسمى كلمة قولاً كان أو فعلاً وهو عطف على قوله علقة لا على ينفخ وإلا لزم كون الكتابة في الأربعين الثالثة وليس مراداً كما يشير إليه خبر مسلم ‏(‏ويقال له‏)‏ أي يقول اللّه للملك ‏(‏اكتب‏)‏ أي بين عينيه كما في خبر البزار ‏(‏أجله‏)‏ أي مدة حياته ‏(‏ورزقه‏)‏ كماً وكيفاً حراماً وحلالاً ‏(‏وعمله‏)‏ كثيراً أو قليلاً وصالحاً أو فاسداً ‏(‏وشقي‏)‏ وهو من استوجب النار ‏(‏أو سعيد‏)‏ من استوجب الجنة حيثما اقتضته الحكمة وسبقت به الكلمة وقدم الشقي لأنه أكثر ذكره الطيبي قال القاضي‏:‏ وكان الظاهر أن يقول وشقاوته وسعادته ليناسب ما قبله فعدل عنه حكاية لصورة ما يكتبه الملك قال الطيبي‏:‏ حق الظاهر أن يقال يكتب شقاوته وسعادته قعدل إما حكاية لصورة ما يكتب لأنه يكتب شقي أو سعيد فعدل لأن الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما والحاصل أنه ينقش فيه ما يليق من الأعمال والأرزاق حسبما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته فمن وجده مستعداً لقبول الحق واتباعه ورآه أهلاً للخير وأسباب الصلاح متوجهة إليه أثبته في عداد السعداء وكتب له أعمالاً صالحة تناسب ذلك ومن وجده جافياً قاسي القلب ضارياً بالطبع منائياً عن الحق أثبت ذكره في ديوان الأشقياء الهالكين وكتب له ما يتوقع فيه من الشرور والمعاصي هذا إذا لم يعلم من حاله وقوع ما يقتضي تغير ذلك وإلا كتب له أواخر

‏[‏ص 415‏]‏ أمره وحكم عليه بوفق ما يتم به عمله فإن ملاك العمل خواتمه ذكره القاضي وقوله ثم يقال له وفي رواية ثم يؤمر قال ابن العربي‏:‏ هذه هي القاعدة العظمى لأنه لو أخبر فقال أجله كذا ورزقه كذا وهو شقي أو سعيد ما تغير خبره أبداً لأن خبر اللّه يستحيل أن يوجد بخلاف مخبره لوجوب الصدق له لكنه يأمر بذلك كله وللّه أن ينسخ أمره ويقلب ويصرف العباد فيه من وجه إلى وجه فافهمه فإنه نفيس وفيه يقع المحو والتبديل أما في الخبر فلا أبداً ‏(‏ثم ينفخ فيه الروح‏)‏ بعد تمام صورته ‏(‏فوالذي‏)‏ في رواية فواللّه الذي ‏(‏لا إله غيره‏)‏ وهو شروع في بيان أن السعيد قد يشقى وعكسه وذلك مما لا يطلع عليه أحد أما التقدير الأزلي فلا تغيير فيه ‏(‏وإن الرجل منكم ليعمل بعمل أهل الجنة‏)‏ من الطاعات الاعتقادية قولية أو فعلية ‏(‏حتى ما يكون‏)‏ حتى هي الناصبة وما نافية غير مانعة لها من العمل ذكره الطيبي وتعقب بأن الوجه أنها عاطفة ويكون بالرفع عطفاً على ما قبله وما ذكر من أن لفظ الخديث ما يكون هو ما في نسخ كثيرة لكن وقفت على نسخة المصتف فرأيت بخطه لم يكن هذا كتب ولعله سبق فلم ‏(‏بينه وبينها إلا ذراع‏)‏ تصوير لغاية قربه من الجنة ‏(‏فيسبق عليه الكتاب‏)‏ قال الطيبي‏:‏ والفاء للتعقيب يدل على حصول السبق بلا مهلة ضمن يسبق معنى يغلب أي يغلب عليه الكتاب سبقاً بلا مهلة والكتاب بمعنى المكتوب أي المقدر أو بمعنى التقدير أي التقدير الأزلي واللام للعهد ‏(‏فيعمل بعمل‏)‏ الباء فيه وفيما قبله زائدة أي يعمل عمل ‏(‏أهل النار فيدخل النار‏)‏ تفريع على ما مهده من كتاب السعادة والشقاوة عند نفخ الروح مطابقين لما في العلم الأزلي لبيان أن الخاتمة إنما هي على وفق الكتابة ولا عبرة بظواهر الأعمال قبلها بالنسبة لحقيقة الأمر وإن اعتد بها من حيث كونها علامة ‏(‏وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع‏)‏ يعني شيء قليل جداً ‏(‏فيسبق عليه الكتاب‏)‏ كتاب السعادة ‏(‏فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة‏)‏ بحكم القدر الجاري المستند إلى خلق الدواعي والصوارف في قلبه إلى ما يصدر عنه من أفعال الخير فمن سبقت له السعادة صرف قلبه إلى خير يختم له به وعكسه عكسه وحينئذ فالعبرة بالخاتمة قال ابن عطاء اللّه‏:‏ ربما يعطي الحق عبده والعطاء عين السلب والمنع وربما يمنع المنع عين العطاء إذ لا تبديل لما أراد في عالم القدم تمت الكلمة ونفذ القلم بما حكم ألا ترى إلى سحرة فرعون كان منعهم عين العطاء وحجابهم عين الوصول وإبليس أعطى العلم وقوة العبادة وكان العطاء عبن المنع والقطيعة وبلعام أعطي الاسم الأعظم وكان العطاء عين المنع وسبب الحجاب‏؟‏ ‏{‏فريق في الجنة وفريق في السعير‏}‏ فالخاتمة مرتبطة بالسابقة فمن زعم أن الصوفية عولوا على السابقة والفقهاء على الخاتمة وأنهما متباينان فقد وهم وفيه أنه سبحانه وتعالى لا يجب عليه الأصلح خلافاً للمعتزلة وأنه يعلم الجزئيات خلافاً للحكماء وأن الخير والشر بتقديره خلافاً للقدرية وأن الحسنات والسيئات أمارات لا موجبات وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر وأن العمل السابق غير معتبر بل الذي ختم به وفيه حث على لزوم الطاعات ومراقبة الأوقات خشية أن يكون ذلك آخر عمره وزجر عن العجب والفرح بالأعمال فرب متكل مغرور فإن العبد لا يدري ما يصيبه في العاقبة وأنه ليس لأحد أن يشهد لأحد بالجنة أو النار وأنه تعالى يتصرف في ملكه بما يشاء وكله عدل وصواب ‏{‏لا يسأل عما يفعل‏}‏‏.‏

- ‏(‏ق 4 عن ابن مسعود‏)‏ حديث عظيم الفوائد وإنكار عمرو بن عبيد من زهاد القدرية له من ترهاته وخرافاته وقول الخطيب الحافظ هو واللّه الذي لا إله إلا هو من كلام ابن مسعود تعقبوه‏.‏

‏[‏ص 416‏]‏ 2180 - ‏(‏إن أحدكم إذا قام يصلي‏)‏ فرضاً أو نفلاً ‏(‏إنما‏)‏ وفي رواية بدله فإنه ‏(‏يناجي ربه‏)‏ أي يخاطبه ويسارره ومناجاته لربه من جهة إتيانه بالذكر والقراءة ومناجاة ربه له من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير مجازاً ‏(‏فلينظر كيف يناجيه‏)‏ أي فليتأمل في جواب ما يناجيه من القول على سبيل التعظيم والتبجيل ومواطأة القلب اللسان والإقبال على اللّه تعالى بشراشره والإخلاص في عبادته وتفريغ القلب للذكر والتلاوة والتدبر فلا يليق لعاقل أن يتلقى شكر هذه النعمة الخطيرة السنية التي هي مناجاة هاتيك الحضرة العلية بشغل القلب بشيء من الدنيا الدنية قال الطيبي‏:‏ وقوله إنما يناجي ربه تعليل للنهي شبه العبد وتوجهه إلى اللّه تعالى في الصلاة وما فيها من القراءة والأذكار وكشف الأسرار واستنزال الرحمة مع الخشوع والخضوع بمن يناجي مولاه ومالكه فمن شرائط حسن الأدب أن يقف محاذيه ويطرق رأسه ولا يمد بصره إليه ويراعي جهة إمامه حتى لا يصدر منه في تلك الجهات شيء وإن كان اللّه تعالى منزهاً عن الجهات لأن الآداب الظاهرة والباطنة مرتبط بعضها ببعض وفيه حث على إخلاص القلب وحضوره وتفريغه لما في صلاته من ذكر وغيره وإن الصلاة أفضل الأعمال لأن المناجاة لا تحصل إلا فيها‏.‏

- ‏(‏ك عن أبي هريرة‏)‏ ورواه أحمد والنسائي والبيهقي بلفظ إن المصلي يناجي ربه فلينظر ما يناجيه به‏.‏

2181 - ‏(‏إن أحدكم مرآة أخيه‏)‏ أي هو بمنزلة المرآة التي يرى فيها ما به من شعث فيصلحه ‏(‏فإذا رأى به‏)‏ أي علم بملبسه أو بنحوه ‏(‏أذى‏)‏ أي قذراً كمخاط وبصاق وتراب ‏(‏فليمط عنه‏)‏ أي فليزله عنه ندباً فإن بقاءه يشينه والظاهر أن المراد بالأذى الحسي والمعنوي أيضاً فيشمل ما لو رأى بعرضه ما يشينه فيزيله عنه بإرشاده له إلى ذلك لكن يبعده زيادة ما في بعض الروايات وليره إياه إلا أن يقال أراد برؤياه ما يعم توقيفه عليه ليجتنبه وعلى الثاني اقتصر سلفنا الصوفية حيث قالوا معنى الحديث إن المؤمن في إزاء عيب أخيه كالمرآة المجلوة الحاكية لكل ما ارتسم فيها من الصور وإن دق فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراءه أقواله وأفعاله وأحواله تعريفات وتلويحات من اللّه تعالى فأي وقت ظهر من المؤمنين المجتمعين في عقد الأخوة عيب فادح نافروه لأن ذلك يظهر بظهور النفس وظهورها من تضييع حق الوقت فعلموا بذلك خروجه من دائرة الجمعية وعقد الأخوة فنافروه ليرجع قال رويم لا تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا هلكوا فهو إشارة إلى تفقد بعضهم أحوال بعض فينبغي أن لا يسامح بعضهم بعضاً في فعل ما يخالف الصواب أو إهمال دقيق الآداب فإن بذلك تصدأ مرآة القلوب ولا يرى فيها الخلل والعيوب قال عمر في مجلس فيه المهاجرون والأنصار أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماذا كنتم فاعلين وكرره فلم يجيبوا فقال بشر بن سعد‏:‏ لو فعلت قوّمناك تقويم القدح فقال‏:‏ أنتم إذن أنتم إذن‏.‏

- ‏(‏ت عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

2182 - ‏(‏إن أحساب أهل الدنيا‏)‏ جمع حسب بمعنى الكرم والشرف والمجد سماهم أهل الدنيا لشغفهم بها وطمأنينتهم إليها كما يشغف الرجل بأهله ويأنس إليهم فصاروا أهلاً لها وهي أهل وصارت أموالهم أحساباً لهم يفتخرون بها ويحتسبون بكثرتها عوضاً عن افتخاره وعن الأحساب بأحسابهم وأعرضوا عن الافتخار بنسب المتقين ‏(‏الذين يذهبون إليه هذا المال‏)‏ قال الحافظ العراقي كذا وقع في أصلنا من مسند أحمد الذين وصوابه الذي وكذا رواه النسائي كغيره والوجه إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليها فيؤتى بوصف الأحساب مؤنثاً لأن الجموع مؤنثة وكأنه روعي في التذكير المعنى دون اللفظ وأما الدين فلا يظهر وجهه إذ ليس وصفاً لأهل الدنيا بل لأحسابهم إلا أن يكون اكتسبه بالمجاورة ثم الحديث يحتمل كونه خرج مخرج الذم لأن الأحساب إنما هي بالأنساب لا بالمال فصاحب ‏[‏ص 417‏]‏ النسب العالي هو الحسيب ولو فقيراً ووضيع النسب غير حسيب وإن أثرى وكثر ماله جداً وكونه خرج مخرج التقرير له والإعلام بصحته وإن تفاخر المرء بآباء انقرضوا مع فقره لا يحصل له حسب وإنما حسبه وشرفه بماله فهو الرافع لشأنه في الدنيا ويتخرج على ذلك اعتبار المال في الكفاءة وعدمه‏.‏ إلى هنا كلامه‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بالحديث أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له‏.‏

- ‏(‏حم ن ك حب عن بريدة‏)‏ قال الحاكم صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وصححه ابن حبان‏.‏

2183 - ‏(‏إن أحسن الحسن الخلق الحسن‏)‏ أي السجية الحميدة التي تورث الاتصاف بالملكات الفاضلة مع طلاقة وجه وانبعاث نفس والملاطفة إذ به ائتلاف القلوب واتفاق الكلمة وانتظام الأحوال وملاك الأمر‏.‏